Saturday, February 24, 2007

في مصر : ١٥ مليون مصري أمام المحاكم خلال عام واحد

١٥ مليوناً و٨٩٦ ألفاً و٥٩٤ قضية تداولتها المحاكم المصرية خلال العام ٢٠٠٤، بزيادة قدرها مليون و٣٢٦ ألف قضية عن تلك التي نظرتها قبل أقل من عشر سنوات مضت.
الأرقام التي وثقها آخر تقرير للإحصاء القضائي بوزارة العدل، تكشف بوضوح عن التزايد المرعب في معدلات الجريمة في مصر، التي طالما وصفت بأنها أرض طيبة وأهلها مسالمون!
أسباب عديدة يرصدها خبراء القانون وعلماء النفس والاجتماع في محاولاتهم تفسير ذلك الارتفاع المطرد في معدلات الجريمة، منها الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتزايد وطأتها يوماً بعد يوم دافعة «أناساً عاديين»، لطريق الجريمة التي قد يرتكبها أحدهم - حتي - ضد نفسه!
رصد تقرير الإحصاء القضائي الأحدث - والخاص بعام ٢٠٠٤، ١٥ مليوناً و٩٠٠ ألف قضية تقريباً، وبمقارنته بتقرير ١٩٩٦ سنجد أن نسبة الفصل في القضايا تراجعت إلي ٨٠.٨٧% في الأول،
بينما كانت عام ٩٦ تبلغ ٨٣.٤%، وبينما كانت القضايا المدنية عام ٩٦ مليوناً و٧٩٣ ألفاً، والجنائية ١١ مليوناً و٥٨٧ ألفاً و٥٨١ قضية، والأحوال الشخصية مليوناً و١٨٩ ألفاً و٥٠١ قضية، بلغ عدد القضايا المدنية عام ٢٠٠٤ مليوناً و٨٤٢ ألفاً و٨٧٦ قضية وارتفع عدد القضايا الجنائية إلي ١٢ مليوناً و٥٤٣ ألفاً و١١٣ قضية، والأحوال الشخصية مليوناً و٥١٠ آلاف و٦٠٥ قضايا!
وأشار التقرير إلي أن جرائم القتل العمد زادت بنسبة ١١.١٢%، وزادت جرائم الشروع في القتل بنسبة ٥٤.٧%، أما جرائم الضرب المفضي لموت فزادت بنسبة ٨٧.٣%، بينما زادت جرائم الضرب بنسبة ١٣.٨%، ووصلت الزيادة في جرائم السرقات ٢٣.٨%، و٦٤% فيما يخص جرائم الشروع في السرقة، وزادت نسبة قضايا الرشوة بمعدل بلغ ٥٩.٦%،
وزاد معدل جرائم تزييف النقود بنسبة ١١٦.٤٥%، وبلغت الزيادة في نسبة جرائم الاختلاس خلال هذه السنوات ١٩.٤%، وزادت قضايا العنف وهتك العرض بنسبة ٣٣.٢٢%، فيما بلغت نسبة الزيادة في جرائم الاغتصاب ٧٤.٦٦%.
التزايد المذهل في معدلات الجرائم طال أيضاً قضايا الأحداث حيث زادت جرائم القتل العمد بين الأحداث بنسبة ٣١.٥%، بينما زادت قضايا الضرب المفضي لموت بنسبة ٨٣.٣٣%، أما جرائم السرقات فزادت نسبتها بمعدل ٦.٢٥%، وارتفعت نسبة قضايا السلاح بمعدل ٦٥.٨٥%،
وارتفع معدل جرائم الشروع في السرقة بنسبة ٤٦.٦٦%، وبلغ عدد قضايا «الجواهر المخدرة»، وهو المصطلح الذي يطلق علي الأطفال العاملين في مجال تجارة المخدرات، بنسبة ٦٦%.
ومن الجنايات إلي الجنح، مازالت معدلات الزيادة تدق نواقيس الخطر، حيث ارتفع معدل قضايا التزوير بنسبة ٩٠%، وبلغ معدل الزيادة في قضايا الضرب ١٤.٣٤%، وزادت جرائم النصب وخيانة الأمانة بمعدل ٩٩.٩%، وتوقفت نسبة الزيادة في جرائم الإصابة الخطأ عند ٤.٨%،

ووصل معدل الزيادة في قضايا الشروع في السرقة إلي ١٢.٩%، وزادت قضايا السكة الحديد بنسبة ٦١.٩٥%، وقضايا التنظيم والإدارة - البلدية - بنسبة ٣.٤٧%.
قضايا التشرد تراجعت بمقدار ١٥.٥٤%، في حين زادت نسبة قضايا جنح الصيدليات بمعدل ٢٠.٨٣%.
وإلي جنح الأحداث ننتقل مع التقرير، لنضع أيدينا علي ارتفاع جرائم الهروب من المراقبة بنسبة ٨٢.٢٤%، بينما زادت قضايا المحال العامة والصناعية بنسبة ٢٧٥%، ووصل معدل الزيادة في جرائم القتل الخطأ إلي ١١.٥%، بينما تراجعت قضايا الضرب بنسبة ٤٣.٥٦%، في مقابل زيادة مرعبة في جرائم النصب وخيانة الأمانة بلغ معدلها ٦٤٨%،
ووصل معدل الزيادة في قضايا السرقات والشروع فيها إلي ٢٩.٩٨%، ووصلت الزيادة في قضايا السكة الحديد إلي ١٢٧.٨%، ترتفع إلي ٢٦٦% فيما يخص قضايا التنظيم، وزادت قضايا التشرد بمعدل ٧٨.٧٩%.
المخالفات لم تسلم من ذلك الارتفاع المرعب في زيادة نسبتها، حيث ارتفعت نسبة المخالفات المرورية لتصل إلي ما يفوق الثلاثة ملايين ونصف المليون مخالفة!
ورصد التقرير أيضاً أعداد وسمات المحكوم عليهم الشخصية والأسرية، ليكشف عن ارتفاع نسبة الرجال «العزاب» المحكوم عليهم بمعدل ٢٤٢%، بينما ارتفعت نسبة الآنسات المحكوم عليهن بمعدل ٢١٨%.
ملف الأحوال الشخصية يكشف عن ارتفاع قضاياها بالنسبة للمسلمين بمعدل ٣٠.٥%، بينما بلغت نسبة الزيادة بالنسبة لغير المسلمين ١٠٣%، فيما تناقصت قضايا الحبس للنفقات بمعدل ٢.٦%.
وبالانتقال إلي جزء شديد الأهمية من التقرير، وهو الخاص بجرائم الكسب غير المشروع، نجد أن لجان فحص إقرارات الذمة المالية كشفت عن ٤٦١٤٨٠ جريمة كسب غير مشروع، بمعدل زيادة يبلغ ١٤٣.٧% عن الجرائم المماثلة عام ١٩٩٦.
الأرقام السابقة والتي تكشف واقعاً مرعباً رأت فيها د.عزة كريم الخبيرة الاجتماعية مؤشراً عاماً، يعكس حجم الاضطرابات التي يعاني منها المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو الأمر الذي أدي إلي تمزق أنظمته الداخلية، وفي مقدمتها الأنظمة الاقتصادية، التي أصبح الكل يعاني منها، خاصة بعد أن أطاحت تلك الأنظمة والسياسات بطبقته المتوسطة، وساهمت في تزايد معدلات البطالة والفقر، بالإضافة لعدم استقرار النظام السياسي، وانتشار الفساد، وعدم قدرة الفرد علي المشاركة فيما يدور حوله من أحداث، وهو الأمر الذي يجعل الفرد يفقد الشعور بالانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه، ويصاب بالإحباط والتوتر اللذين يحولانه إلي إنسان انفعالي في جميع تصرفاته وسلوكياته، وغالباً ما يتحول هذا الانفعال إلي انفعال هائج، يفقد فيه الإنسان السيطرة علي نفسه، ليتحول لإنسان عنيف قادر علي ارتكاب مختلف الجرائم بهدف التخفيف من حدة الضغوط الواقعة عليه.
وذكرت د.عزة أن استمرار الارتفاع الجنوني للأسعار وتزايد احتياجات الأفراد وعدم التوازن بين الطبقات خلق نوعاً خطيراً من الجرائم هو الجرائم المهنية، التي يخالف مرتكبوها شرف مهنتهم مقابل بعض المكاسب مثل الصيادلة، الذين يقومون ببيع الأدوية المغشوشة والمهربة والمخدرة للمواطنين، بعد أن أصبح الربح هو القيمة السائدة في مجتمعنا، وعلي أساسها يتم احترام وتقدير الأفراد.

وأكدت الدكتورة عزة أن ما تقوم الهيئات والمصالح المختلفة برصده من أرقام ونسب عن معدلات الجرائم في المجتمع المصري لا يعبر عن الحجم الحقيقي لهذه الجرائم، وذلك وفقاً لما أثبته بحث أجرته بنفسها بعنوان «ضحايا الجريمة في المجتمع المصري»، صدر في أواخر التسعينيات عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، قامت بإجرائه، علي عينة من ١٠٠٠ فرد، ممن تعرضوا لمختلف الجرائم، وتوصلت من خلاله إلي أن ٨٠% من الأشخاص لا يقومون بالإبلاغ عن الجرائم المرتكبة ضدهم، لعدم ثقتهم في الشرطة أو القضاء،
كما أثبت البحث أن ٨% فقط ممن تعرضن لجرائم الاغتصاب قمن بالإبلاغ عنها، بينما امتنعت الباقيات عن الإبلاغ خوفاً من «الفضائح»، وبسبب أسلوب الشرطة في التعامل مع تلك الجرائم، الذي لا يراعي السرية رغم أننا في مجتمع محافظ.
وتتوقع الدكتورة عزة أنه إذا ظلت أوضاع المجتمع علي هذا الحال، فإن الجريمة ستصبح واحدة من العلامات الأساسية المخيفة، لهذا المجتمع، وستظهر أنواع جديدة أكثر خطورة من الجرائم الحالية.
ربيع عبدالمنعم حسين، مدير عام الإحصاء القضائي بوزارة العدل ذكر أن سبب ارتفاع معدلات القضايا التي تقوم الإدارة برصدها كل عام يرجع إلي قلة فرص العمل الشريف، التي قد تنعدم تماماً في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعل الخريجين يقعون في فخ الفراغ، وقد يدفعهم لارتكاب الجرائم، خاصة قضايا النصب وخيانة الأمانة، التي تزايدت معدلاتها بمتوالية هندسية، خلال العقود الأخيرة الماضية.
فقد بلغ عدد هذه القضايا علي سبيل المثال سنة ١٩٦٢ (١٠٣١٠٦) قضايا، وفي عام ١٩٧٦ بلغ (٢٥٥٥٤٤)، في حين بلغ عددها عام ١٩٨٤ نحو (١٦٣٨٩٠) قضية،
وفي عام ١٩٩٧ بلغ (٥٢٤٥٦٩) قضية، حتي وصلت هذه الزيادة إلي ذروتها عام ٢٠٠٤، حيث بلغ عدد قضايا النصب وخيانة الأمانة وفقاً لما جاء بتقرير الإحصاء القضائي السنوي لهذا العام (٨٦٥٣٧٢) قضية، وهو الأمر الذي يشير إلي أن معاناة الشباب من الفراغ والبطالة قد تجعلهم يستغلون ذكاءهم، وخبراتهم العلمية والتعليمية في النصب علي الآخرين، خاصة أن جرائم النصب لا تتطلب عنفاً ويقف سوء الأحوال الاقتصادية دائماً كـ«حائل» أمام الالتزام بسداد المبالغ التي يوقعون عليها وهو الأمر المتوقع تزايد معدلاته، إذا لم ينتبه المسئولون لضرورة الإصلاح الداخلي.
ومن جانبه قال د/ حمدي حسن عضو مجلس الشعب لإخوان ويب " أن هذا التقرير القضائي يرسم واقع البلد الأمني والاجتماعي فوزارة الداخلية تركت الأمن الداخلي والاجتماعي لحساب الأمن السياسي وانشغلت بتلفيق قضايا لمحاربة المعارضة المصرية وخاصة الإخوان المسلمون وتركت الفساد وجرائم القتل والسرقة تتصاعد بهذه الصورة الخطيرة.
وأشار حسن أن هذا هو تقرير عام 2004 وبالطبع من المتوقع أن يكون تقرير عام 2006 الذي لم ينشر بعد أكثر سوءاً.
وأكد حسن أن هذا التقرير هو بمثابة إعلان واضح وبالأرقام في فشل النظام المصري القمعي في حماية الشعب المصري.

No comments: